صفحة الكاتب : ثائر الساعدي

روما تأتي الى النجف كيف أسهمت زيارة قداسة البابا في كسر الصورة النمطية عن العراق 
ثائر الساعدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم 
تقوم المعرفة في عالمنا المعاصر على وسائل التواصل الاجتماعي وتعد السوشيل ميديا أحد مصادر تشكيل منظومة المعارف عند الكثيرين، وقد رسم الإعلام صورة نمطية عن العراق في أذهان الآخرين، وتعدُّ هذه الصور النمطية من أهم مشاكل عراق ما بعد 2003م. 
فالأزمات الاجتماعية والاقتصادية والاهتزازات التي عصفت بالسلم الأهلي كان الإعلام هو اللاعب الرئيسي فيها. 
الإعلام اليوم هو الذي يعيد ترتيب الأولويات في المجتمعات وهو صانع التطرف في كل بلادنا العربية، وهو الذي يسطح دور النخبة ودور المعتدلين والوسطيين والمواقف المشرفة الكبيرة، وتخفت على منصاته أصوات الحكمة، وهو اللاعب الرئيسي في صناعة خطاب الكراهية والتطرف يبحث عن الإثارة أكثر من بحثه عن الحقيقة، ولم يعد حراً ولا صوتاً للمظلومين بل سوطا عليهم بل هو الذي يصنع القادة الوهميين ويقزم القادة الحقيقيين  
ومن هنا أضحت صورة العراق التي تليق بها داخليا وخارجيا رهينةَ تجاذباتٍ ومواقفَ خارجةٍ عن حجم سلوكيات أفراده، ورهينة وسائل الإعلام الدولية والإقليمية 
في العراق لعب المرجع الأعلى للشيعة السيد السيستاني الذي يدين له بالفضل مئات الملايين في العراق والشرق الأوسط؛ لأنه صوت الحكمة حين صمتت كل الأصوات لعب دورا محوريا في حفظ النسيج الاجتماعي ولعب الشيعة الذين استشهدوا على يد عصابات داعش كحال آلاف العراقيين من: المسيح والصابئة والايزيدية وغيرهم دورهم المشرف في الدفاع عن وحدة العراق شعبا وارضا ولكن  لم يكن العالم ليعرفهم ولا ليثمن مواقفهم  إذ نكتشف اليوم وبعد زيارة قداسة البابا فرنسيس_ وفي إحصائية غير رسمية_  يسجل محرك البحث  google مليار مادة بحثية عن السيستاني والشيعة هكذا حينما يضطر الإعلام الى نقل الحقيقة يندهش العالم بالعراقيين المسلمين والمسيحيين وغيرهم؛ لشدة فرحهم ومدى ترحيبهم بقداسة البابا فرنسيس. ويسأل الجميع عن السيد السيستاني وتأتي المواقف الشعبية والرسمية متعاقبة 
 قداسة البابا فرنسيس زعيم روحي لملايين المؤمنين المسيحيين الكاثوليك حينما يزور العراق ماذا يشاهد العالم؟ يشاهد النجف الاشرف قبلة التشيع في العالم التي تضم أكبر جامعة دينية يزيد عمرها على الألف سنة كانت تشاطر مدن العراق فرحا بقدوم قداسة البابا حيث تتزين شوارعها وجدرانها بعبارات الترحيب وصور قداسة البابا واعلام دولة الفاتيكان  
أما مرجع الطائفة الشيعية سماحة السيد السيستاني في ظل جائحة كورونا وهو رجل في عقده التاسع يستبشر فرحا ويمسك الحَبر الاعظم بيديه ويصدر مكتب المرجع الاعلى بيان ترحيب بقدومه وبمواقفه وهو ليس بيان مجاملة منهم  بل هذه هي سيرة  ومسيرة المرجعية أ تخلد المواقف الانسانية من أي شخصية معتدلة صدرت  وسجل مواقف الانسانية مع الكنيسة الكاثوليكية حافل بالذكريات الطيبة فحينما رحل قداسة البابا يوحنا بولص الثاني أرسل سماحته رسالة تعزية موجودة على موقعه الرسمي على شبكة النت تقدر عاليا المواقف النبيلة لقداسته وتعزي بوفاته.
فالعراقيون لم يتصنعوا المواقف ولم تستجد عندهم الخطى نتيجة هذه الزيارة التاريخية بل هذه سجيتهم منذ بداية تاريخهم لكنهم مغبونين في أبواق الإعلام ونحن في الوقت الذي نشهد فيه كسر الصورة النمطية عن العراق بفضل هذه الزيارة لا نراهن على الاعلام ولا نعتمد الا على وعي الافراد والجماهير لتأخذ الصورة التي تليق بالعراق وتعيد تشكيلها من جديد حتى تسهم هذه الحقيقة كثيرا في تجاوز العراق لمحنه وتضمد جراحه. 
إن الحدث التاريخي لهذه الزيارة لا شك انه يساهم كبيرا في تعزيز قيم التعايش السلمي والتي تعني إحقاق الحق وإقامة العدالة الاجتماعية بين الناس وعدم تصنيفهم حسب معتقداتهم وميولهم وأفكارهم وثقافاتهم هذه القيم هي أهداف الأنبياء الذين تحملوا المصاعب والالام من أجل تحقيقها وكانت وسيلتهم فيها هي التسامح، فالهدف هو التعايش السلمي والتسامح هو الوسيلة.
ونصوص الاديان شاهدة على ذلك فهل هناك نص أكثر صراحة من قول المسيح ع: 
(أحبوا أعداءكم، أحسنوا معاملة الذين يبغضونكم، باركوا لاعينكم، صلّوا لأجل الذي يسيئون إليكم،) 
وفي الإسلام فلم يختلف الامر أبدا حيث جعل الاسلام الانسانَ هو القيمة العليا وكل ما عداها دونها وهو دين الرحمة يقول تعالى عن نبيه محمد صلى الله عليه واله: وما ارسلناك الا رحمة للعالمين. 
وهل هناك أجمل من قول على ع: (الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق).
فهذه القيم مغروزة دينية وثقافيا في وجدان المسلمين والمسيحيين. 
نعم، المفاهيم الدخيلة على مجتمعاتنا شيطنت وسممت أفكار بعض الشباب فصار العراق يحتاج الى نهضة فكرية وبث روح جديدة تعيد المياه الى مجاريها، فكانت هذه الزيارة التاريخية التي فتحت السدود وحطمت الجدران وبنت الجسور سيما وأنها جاءت في ظرف حرج يحتاج العراقيون المتألمون من أثار الظلم الوحشي البربري باسم الدين يحتاجون الى بلسمٍ لهذه الجراح فنأمل أن تعزز هذه الزيارة وتعيد تأكيد هذه المبادئ الدينية الإسلامية والمسيحية.  
هذه الزيارة بلا شك هي قيمة مضافة لنا كعراقيين مسلمين وغيرهم بل لمنطقة الشرق الاوسط برمته. فقداسة البابا لم يأت لنا في العراق للمسيحيين، ولن ننظر لها كعراقيين انها زيارة رعوية حتى وإن كانت كذلك بل ننظر لها كرسالة محبة وسلام فالحبر الأعظم والجالس على كرسي بطرس الرسول تجشم العناء وجاء الى بلاد الرافدين؛ ليصلي ويدعو لنا لنعش كأخوة وتسود بيننا المحبة والرحمة وأن يعم الامن بلادنا وأن تعمر المساجد والكنائس لتدوم بها الصلوات ويعلو فيها اسم الله وحده ويمجد فيها. 
وهناك معنى خفي لم تتم ملاحظته وهو  أن هذه الزيارة لم تتكلل بالنجاح لولا الجهود المبذولة من أناس قد أعدوا الارضية المناسبة لهذا اللقاء، فقد جاءت هذه الزيارة في سياق عمل طال سنين مديدة بين النجف والفاتيكان ، فقد عقدت ندوات ومؤتمرات عديدة ضمت أباء ورهبان وقسيسين وغيرهم من علماء دين الديانات الاخرى حتى اتضحت صورة جلية وناصعة امام الفاتيكان وغيره من أن العراق عامة والنجف تحديدا هي مصدر اشعاع للسلام والمحبة، وكان ابرز هذه الجهود المبذولة هي ما قامت به دار العلم للإمام الخوئي قدس سره الشريف  وأكاديمية البلاغي المنبثقة منها، التي أصبحت الخيمة التي ضمت بين جنباتها جماعات من اتباع وعلماء الديانات الاخرى وهي تعزز  فيهم الثقة والايمان، وتعلي عندهم مكانة النجف وتكشف لهم حقيقة الحوزة العلمية والمرجعية الدينية، ومقامها السامي، لذلك نستطيع القول إن مجيء بابا الفاتيكان قد سبقتها جهود حثيثة تكللت بهذه الزيارة المباركة.             هذه الزيارة التي هي رسالة للعالم أجمع مفادها أن ثقافة الكراهية والحرب والهدم ثقافة غريبة عن العراق والعراقيين، فالعراق بلد إبراهيم ع وهو بلد الحضارات، بلد الشرائع، بلد التنوع وحاضنة الاختلاف يستحق أن يسترد مقامه الحقيقي وأن يعود له وهجه. وهذه الزيارة درس عملي في نكران الذات وفي التواضع والمحبة والاحترام وأن الإنسانية هي القيمة العليا وأن الشريعة والدين جاء لكرامة الانسان ولن يكون أكثر حرصا على الدين من رجال الدين وحماته، ولن يعني التدين بأي دين امتهاناً من كرامة الآخر فضلا عن كونه مسوغا  لقتله باسم الدين، وقد تجسد ذلك عمليا بزيارة قداسة البابا ولقاءه بالمرجع السيد السيستاني وهما أكبر زعيمين روحيين، ومن هنا كانت الزيارة صرخة بوجه الإعلام المؤدلج الذي يقوم على الفتنة والإثارة ان كفاكم زيفا فقد آن للعراق والعراقيين ان يبدؤا رحلة السلام في العالم من أرض الأنبياء والصالحين ومهد إبراهيم الخليل ع.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ثائر الساعدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/03/10



كتابة تعليق لموضوع : روما تأتي الى النجف كيف أسهمت زيارة قداسة البابا في كسر الصورة النمطية عن العراق 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net