صفحة الكاتب : ياسين يوسف اليوسف

الإنترنت وتأثيره على القِيم الأخلاقيَّة  في المجتمع
ياسين يوسف اليوسف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

فيما سبق – وقت كنّا صغاراً- كنّا نجتمع مع الأهل ، الأجداد والجدات، والآباء والأمهات في ليالي الشّتاء الطّويلة حول فاكهة الشّتاء؛ لنستمد من دفئها في الليل البارد الطويل، وكان يتخلل مجلسنا حديثُ الكبارِ إذ يحدّثوننا عن حياةٍ لهم أفلت وطواها الزَّمن؛ فترتسِمُ تلك الذكريات في أذهانِنا البريئة وقلوبِنا النّقية ونحنُ نستمعُ لاحاديثهم الشّيقة وقصصهم المليئة بالعبرِ والمواعظِ، فكانت ميراثاً جميلاً لنا نعود اليه كلّما أردنا العودة إلى الماضي .
لكنَّ حياة كهذه أفلت ومضت وطواها الزمن كما طوى غيرها، ولم يبق منها إلا الذكرى.
والسبب في ذلك هو الثورة الصِّناعية والتطور التكنلوجي  الكبير، ودخول التقنيات الحديثة المختلفة ، والتي منها (الانترنت) ببرامجه المتنوعة ( الوات ساب، والفيس بوك، والتلغرام، والأنستغرام ، وتويتر، وغيرها الكثير)، هذه التقنيات التي أسيء استخدامها عند الكثيرين حتى غدت سلاحاً شيطانياً يفتك بشبابنا وأسرنا، ويصادر وجودنا وحياتنا ، وقد تسلل إلى الكثير من مفاصل الحياة فتدخَّل في أعرافنا وعلاقاتنا الاجتماعية، فغدت علاقات شبه ميتة فبعد أن كانت الأسرة تجتمع على مائدة الطّعام ، أو تتجاذب أطراف الحديث وهي تجلس حول (( منقلة الفحم)) في ليالي الشتاء الباردة؛ لتستمع إلى أحاديث النُصح والإرشاد ، وتتعلم الدّروسَ والعبرَ من الكبار، ومَنْ لديهم الخبرة في الحياة؛ لكثرة تجاربهم ورجاحة عقولهم أصبحت اليوم وهي تفتح أجهزة نقالاتها الحديثة لتنفتح على العالَم بأسره وبدون رقابة لتنقل إلينا الثّقافات المختلفة التي قد  لا تتناسب و أخلاقنا وعاداتنا وقيمنا الأصيلة مسببة بذلك أضراراً اجتماعيةً وأخلاقية وتربوية على مستوى الفرد والمجتمع يصعب علاجها في كثير من الأحيان ، وبعد أن كان التّزاور الأسري والتّواصل الفعلي عن قرب هو النمط السّائد في العلاقات الاجتماعية حلّت المكالمات الهاتفية عن بُعد والرّسائل النّصية مكان ذلك ، مما أدّى لتغيير جذري في مفهوم التّرابط والتّماسك العائلي القائم على العون والمساعدة.
إنَّ مواكبة التطور واستخدام أحدث وسائل التكنولوجيا شيء مطلوب، لما فيه من التأثيرات الإيجابية  في الكثير من نواحي الحياة  فهو من الناحية التعليمية مثلاً يؤدي لفوائد عظيمة؛ لاحتوائه على كمٍّ هائلٍ ‏من المعلومات القيِّمة والثَّمينة، وكذا يُسهِم في مشاركة المعلومات بين الناس وتبادل الآراء، فضلاً عن حصول المتعلم ‏على آخر التحديثات في المناهج التعليمية، لكنَّ التوفيق بين هذا التطور وبين آداب الاستخدام شيء لا بد منه- أيضاً- .
فالأنترنت ببرامجه الاجتماعية التي تزداد يوماً بعد آخر والذي يعدُّ وسيلة تقنية يمكن الاستفادة منها في الكثير من مجالات الحياة أصبح اليوم - ومع سوء الاستخدام -  أحد الآفات الاجتماعية التي أسهمت كثيراً في تهديم القِيم الاجتماعية وأخلاق الشَّباب، وحرفهم عن عاداتهم وأعرافهم ، خصوصاً وهو متاح لكل الفئات العمرية وبدون رقيب، أو ضوابط للاستخدام .
فشبابُ اليوم – ومن الجنسين- وهو يجلسُ في غرفته بإمكانه أن يتجوَّل من خلال برامج الانترنت المتنوعة في كلِّ بقاع العالم ويدخل عالماً مفتوحاً فيه الكثير من الاشياء الجاذبة لروحه النقية التي تجهل الكثير من هذه الحياة وخفاياها ، فنراهُ يتلقى وبشغف ما يملي عليه معلّمه (( الانترنت)) ويلازمه في ساعات الليل والنهار ملازمة الفصيل لأمه .
فتطبيقات الإنترنت أصبحت اليوم جزءاً مهمّاً وضرورياً من الحياة اليومية للبشر، إلى درجة أنهم لم يعودوا قادرين على التخلّي والاستغناء عنها؛ لذا يتوجب أخذ الحيطة والحذر وعدم الانجرار والانسياق الأعمى وراء البرامج  و الحملات الإعلانية للشركات الكبرى والتي لا همَّ لها إلا تحقيق الارباح والمكاسب المادية ولو على حساب تهديم القيم والأعراف للمجتمعات .
وعليه فقد أصبحت عوائلنا اليوم  وسط هذه التقنيات الحديثة أمام مسؤولية كبيرة تحتاج منها الكثير من الاهتمام والرعاية والمتابعة لأبنائها ، ولا يمكنها تحمُّل هذه المسؤولية الكبيرة لوحدها، بل على المجتمع والدولة بمؤسساتها التعليمية والتربوية والمدنيّة  أن تعمل بكل طاقاتها، وتتظافر جهودها؛ لدفع المخاطر الناجمة عن سوء الاستخدام لوسائل التواصل الاجتماعي ومنع العواقب الوخيمة عن أسرنا وشبابنا .   
  
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ياسين يوسف اليوسف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/08/25



كتابة تعليق لموضوع : الإنترنت وتأثيره على القِيم الأخلاقيَّة  في المجتمع
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net