صفحة الكاتب : محمد الرصافي المقداد

عندما تجني فرنسا ودول الغرب على أنفسها
محمد الرصافي المقداد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قبل الإجابة على هذا السؤال، لا بد من معرفة التاريخ الوسيط والحاضر لهذا الغرب وطبائعه، فنحن نعرف جيّدا أن تاريخه القديم لا يقلّ سوءا وبشاعة من الذي سآتي عليه بإيجاز في هذا المقال، من تعرّف على تلك الفظائع، من خلال ما دوّنه شهود عيان، بإمكانه أن يستخلص حقيقة هذا الغرب طبعا وجوهرا وما بالطبع لا يتطبّع.

من غَيَابَاتِ التوحّش بنت المجتمعات الغربية الإستعمارية مدنيّتها المزيّفة، فأينما حلّت قوّاتها العسكرية، تركت وراءها سجلّا مروّعا من جرائم الإبادة والإغتصاب، ونهب خيرات البلدان المحتلّة، في أمريكا وأفريقيا وآسيا وأستراليا، بدعوى الوصاية عليها، وحمل مشروع مدنيتهم إلى الشعوب المنتهكة أراضيها، لتبقى مكبّلة سياسيا واقتصاديا وفكريّا إلى اليوم، لا تقدر على الخروج من أسْرِها المفروض عليها، وإن حاولت التخلص من تبعية هذا الغرب الظالم ابتليت بأيتامه من مثقفين تركوا اصالتهم ليكونوا ضمن جوقة لقطائها المروّجين لدعاياتها الزائفة عن الحضارة وهم أبعد ما يكونون عنها.

  • من الممكن تعداد جرائم دول الغرب الاستعمارية ولو بإيجاز، فهي أكثر من أن تُحْصَر في ذلك، وعليه فإنني سألجأ إلى كتابتها كرؤوس أقلام، بدأ من قتل سكان أمريكا الأصليين، في سلسلة إبادات جماعية، بلغت مائة مليون في أمريكا الشمالية، وخمسين مليون في أمريكا الجنوبية، وأكثر من عشرين مليون من سكان أستراليا الأصليين(1)، وما جرى في الكنغو الديمقراطية من أعمال إبادة قتلت فيها القوات البلجيكية اكثر من عشرة ملايين كنغولي، لم تكن زيارة الملك فيليب وحكومته واعتذاره العلني عن المآسي التي ارتكبتها قوات بلده خلال الحقبة الإستعمارية(2) في عهد سلفه ليوبولد الثاني، ويبدو أن وجود تمثال هذا الطاغية لم يعد يعجب دعاة البراءة من الاستعمار وجرائمه فقد (أُضرمت النيران في تمثال ليوبولد الثاني في مدينة أنتويرب، قبل أن تفككه السلطات. وصُبغت التماثيل بالطلاء الأحمر في مدينتي غينت وأوستند وتم تحطيم تماثيله في العاصمة بروكسل.)(3)

وفي الجزائر قتلت القوات الفرنسية اكثر من مليون ونصف المليون جزائري، في مختلف انحاء البلاد(4)، وزادت على ذلك، أن جعلت منهم فئران تجارب في الصحراء، بأول تفجير نووي لمعرفة مدى تأثيره على البشر(5)، ولا يزال تعنّت واستكبار الحكومة الفرنسية حائلا، دون اعتذارها عن جرائم أسلافها في الجزائر.

ويأتي هذا الغرب في زماننا هذا، ليذكرونا ببعض ما نسيته شعوبنا - وفينا من يرى الغرب بعين رمداء- ففي أفريل 1993 نفذت قوات صربية مذبحة (سربرنيتسا Srebrenici)(6) على مرأى ومسمع من العالم، وفي قرارة أنفس حكام الغرب، رضا بمجريات تلك المآسي الإنسانية، فقد تحركت فيهم عنصريتهم الدينية، وطار رماد أحقادهم عن جمر نار عدائهم للإسلام والمسلمين.

وليست أفغانستان والعراق بمنأى عن حسابات دول الغرب، المجتمعة على سحق المسلمين بمشاريعهم الإصلاحية وآمالهم المستقبلية، حيث لا ترى لهم تموقعا في سُلّمِ التقدّم، سوى فيما أوقعوهم فيه، وعرّفُوهُ بالعالم الثالث، فلا يجب أن يتجاوزوه قيد أنملة.

ما يسعى إليه الغرب بمختلف وسائله الثقافية والإعلامية – وهي أسلحة افتك من العسكرية – (دمغجة) عقول المسلمين، وتلويثها بمبادئه التحررية الكاذبة، والتي تستهدف أوّلا وقبل كل شيء، عقائدا رموزا وأحكاما، وقد تعوّد أن لا يقيم وزنا له، بعد أن خرج عن مسيحيته المُحرّفة، فلم يعد يأبه بها وبجميع القيم الإنسانية، التي جاءت الديانات لتوظفها في المجتمعات البشرية، من أجل اسعاده ومساعدته للحفاظ على توازنه المجتمعي الإنساني، بحيث أطلقت دول الغرب أيدي وعقول رعاياها ولاجئيها بعنوان حية التعبير، للعبث والتطاول على القيم الإلهية ورموز الأديان، استخفافا واستهتارا بها، وهي تدرك جيّدا خطورة تشجيعها على تلك الأعمال الدنيئة.

إنّ المساس بمقدسات الشعوب، سيدفع إلى تأزيم أوضاع هذا العالم، المليء بالإنحرافات والمفاسد، ففي حين يسعى الغرب إلى إسقاط الأحكام الإسلامية، ومنها عقوبة الإعدام بحق القتلة، والمساوة في الميراث بين الجنسين، وفرض المثلية الجنسية على دولنا الإسلامية، كأعمال قبيحة لا يمكن أن تُصنّف إلّا من رذائل الأخلاق، والخارجة عن أحكام الديانات الإلهية كلّها، لتغرق هي الأخرى في مستنقع الإنحراف عن الفطرة الإنسانية، يرى موازاة لذلك، شن حملات انتهاك لمقدساتنا وامتهان لرموزنا، ولا يمكن أن ينجح في مشروعه التدميري للفطرة الإنسانية، سوى بإسقاط مقام مقدساتنا من الأنفس، بتكرار هجماته الإعلامية والثقافية التغريبية عليها.

الحرية التي يجب يفهمها الغرب، تقف عند حدود غيره، فلا تتجاوزها دوله ومجتمعاته وأفراده المتفسّخين من الأخلاق وقيمها، إلى ما عداهم من الدول ذات القيم والأخلاق والدين، وأيّ اعتداء من هذا القبيل سيواجه حتما بما يجب أن يكون من حزم، من طرف الدول والشعوب المستهدفة، ولو أدّى ذلك إلى فرض عقوبات موجعة، من شأنها أن تردع فرنسا - وغيرها من الدّول التي ترى المساس بالمقدسات ورموزها أمرا مألوفا عندها- عن تكرار مثل هذه السلوكيات المشينة، ولا اعتقد أن فرنسا ومن ورائها هذا الغرب المتفسّخ سيرتدعون طالما ان الشيطان الأكبر يحرّكهم ويتصرّف في سياساتهم كما يحلو له، إذا قد تكون هذه الأعمال مقدّمة لإثارة الأحقاد وتأليب المجتمعات على بعضها البعض، في عداء مجاني لا طائل من ورائه، سوى قطع العلاقات بين الدول، وما يستتبعه من إجراءات وقرارات عقابية، حينها سيلتفت الفرنسيون إلى حماقات صحيفتهم شارلي ابدو وما جنته عليهم.

اليوم ليس كالأمس ووعي شعوبنا ودولنا في تزايد مستمرّ وقد بلغوا من النضج مستوى يؤهلهم فهم حركات الأعداء وتمييز الصديق من العدوّ، فليس كل من مدّ يدّ الودّ إلينا صاحب مودّة حقيقية وإنّما هو أسلوب تعوّد عليه الغرب بدوله شديدة الكراهية وتلك التي هي أقلّ كرها، لم تغادر مواقعها المضمرة سوءا إلى احتمال خير يأتينا منها، احترازنا اليوم أكبر من احترازنا بالأمس، ولن تتغير الصفة الإستعمارية اللصيقة بهذه الدول، طالما أنها لم تقلع عن سياساتها المعادية لنا، ولم تُرجع إلينا ثرواتنا المنهوبة من طرف عساكرها، والتي تنعم بها منذ ما يزيد عن قرن من الزمان، وكانت سببا أساسيا في تقدّمها.

المراجع

1 – الحضارة الغربية بين الإنسانية والتوحش

https://dawa.center/file/6197

2 – هل تمحو الاعتذارات الرسمية للغرب فظائع الاستعمار؟

https://www.bbc.com/arabic/world-61730500

3 – ليوبولد الثاني: الملك الأوروبي الذي كان يملك "حديقة حيوانات" بشرية في قصره

https://www.bbc.com/arabic/world-53056574

4 – الجزائر تعلن للمرّة الأولى عن مجموع ضحايا الإستعمار الفرنسي: 5.6 مليون شهيد

https://www.alaraby.co.uk/politics/

5 – التجارب النووية الفرنسية في الجزائر

https://ar.wikipedia.org/wiki/

6 – مذبحة سربرنيتسا https://ar.wikipedia.org/wiki/


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الرصافي المقداد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/01/09



كتابة تعليق لموضوع : عندما تجني فرنسا ودول الغرب على أنفسها
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net