صفحة الكاتب : د . شامل محسن هادي مباركه

السيستاني وهاجس الانهيار في الولايتين ؛  الجزء الثاني
د . شامل محسن هادي مباركه

 

بيانات المرجعية العليا وخطب الجمعة كثيرة، واكبت الاحداث التي مرّت على العراق في الولايتين. لعدم الاطالة، سنقتصر على بعضٍ منها.

بعد أن تسنمّ السيد نوري المالكي رئاسة الحكومة في ٢٠ آيار ٢٠٠٦، حاول أن يضفي شرعيةً على حكومته والدخول تحت عباءة المرجعية في النجف، مما دفعه لزيارة السيستاني قُبيل أداء القسم الدستوري في ٢٧ نيسان ٢٠٠٦، وبعد القسم في ٢ أيلول من نفس العام.

استبشرنا خيراً لتلك الزيارات على أمل أن يلتزم السيد المالكي بالخطوط العريضة للسيستاني.

لم يقف السيستاني مع شخص السيد المالكي، كما يُصور للبعض، لكنه وقف مع التحول السياسي منذ اليوم الاول من سقوط النظام الدكتاتوري، و مع مشروع دولة ديمقراطية. بدأ سماحته برسم خارطة طريق للحكومة. لنستعرض ما جاء في اللقائين.

في اللقاء الاول، شدد المرجع الاعلى على عدة محاور حيث قال:

١- أن تُشكّل الحكومة الجديدة من عناصر كفوءة علمياً وإدارياً، وتتسم بالنزاهة مع الحرص البالغ على المصالح الوطنية العليا والتغاضي عن المصالح الشخصية والحزبية والطائفية والعرقية ونحوها. 

٢- حصر حمل السلاح في أيدي القوات الحكومية، وبناء هذه القوات على أسسٍ وطنية سليمة بحيث يكون ولاؤها للوطن وحده لا لأية جهة سياسية او غيرها. 

٣- مكافحة الفساد الإداري المستشري في معظم المؤسسات و وضع آليات عملية للقضاء على هذا الداء العضال وملاحقة المفسدين قضائياً.

٤- توفير القدر الكافي من الكهرباء والماء الصالح للشرب والوقود ونحوها للمواطنين.

٥- إقامة افضل العلاقات واوثقها مع دول الجوار كافة على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

وأشار سماحته إلى ان المرجعية "ستراقب" الأداء الحكومي.

بعد تتبُعنا لمنجزات المالكي، نرى أن الحكومة شُكِلت على اساس طائفي، وهي غير كفوءة، و وزرائها كانوا يمثلون احزابهم وليس العراق. تم بناء جيش من الدمج والمحسوبيات الطائفية والقومية. تعاظم الفساد والشواهد كثيرة. فَقَدَ الشعب العراقي معظم مقومات الحياة، من الكهرباء والماء والصحة والتعليم، مع تحويل العراق الى بلد معزول اقليمياً، حيث قطعت دول المنطقة علاقاتها بالعراق.

بعد إنقضاء مئة يومٍ على حكومة المالكي، تفاقمت الازمة، فكان اللقاء الثاني والذي أكد السيستاني بوجوب التزام المالكي بتعهداته التي تبناها في اللقاء الاول، مما دفع السيستاني بتذكيره بمطالب اللقاء الاول:

١- أكد المرجع على ضرورة بناء القوى العسكرية و الأمنية العراقية على أسس وطنية سليمة، و من العناصر الصالحة و الكفوءة.

٢- عدم قيام الحكومة بما هو واجبها في تأمين الأمن و النظام و حماية أرواح المواطنين.

٣- أبدى سماحته تألمه البالغ لما يعانيه المواطنون من نقص شديد في جملة من الخدمات الاساسية لا سيما الكهرباء و الوقود.

٤- تحدّث سماحته عن الفساد الاداري و سوء استغلال السلطة فأكّد على ضرورة مكافحة هذا الداء العضال الذي يتسبب في ضياع جملة من موارد الدولة العراقية.

٥- قال سماحته إن المواطنين يتوقعون  أن يروا أعضاء مجلس النواب و كبار المسؤولين في الحكومة يشاطرونهم في معاناتهم و يشاركونهم في مصاعب الحياة.

استمرت الاوضاع الامنية والخدمية والطائفية بالتدهور حتى مرّ العراق بسنين عجاف، كان خاتمتها داعش الارهابي و سقوط الموصل، وما صاحبها من قتال طائفي.

كارولين مرجي، استاذة في كلية كونكتيكت، في كتابها "المرجعية الدينية، الموقف الوطني في العراق ما بعد صدام" (Patriotic Ayatollah nationalism in post Saddam iraq): تقول "أدرك السيستاني في وقت مبكر أن قادة مثل المالكي وجدوا في الطائفية استراتيجية افتراضية لبناء القاعدة الاجتماعية التي لا يمكنهم بناؤها في المنفى. كانت سياسة الهوية، المستمدة من رواية الضحية الشيعية، متأصلة في النظام السياسي".

لم يستطع السيد المالكي السيطرة على الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد، مما استدعى من السيستاني الرمي بثقله على تلك الحرب لاطفاء نار الفتنة.

هنا أدرك الاحتلال، وجود السيستاني سيعرقل مخططاتهم. في ٨ شباط ٢٠٠٧، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مقالاً: "الحرب الأهلية في العراق هي أفضل أمل لأمريكا"، (Iraq’s Civil War Is America’s Best Hope). 

يذكر صاحب المقال: "الولايات المتحدة ستكون في وضع أفضل إذا سمحت بتكثيف الحرب الأهلية في العراق، على الرغم من أن ذلك يعني عددًا كبيرًا من الضحايا على المدى القريب، بدلاً من محاولة تحقيق الاستقرار في البلاد عسكريًا مع القوات الأمريكية والعراقية. ستعمل زيادة القوات على تعميق العلاقات الأمريكية مع الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة، مما يقلل من النفوذ الدبلوماسي الأمريكي مع السنة والأكراد".

يشبّه صاحب المقال العراق بلبنان، بعد أن أمتلأت شوارع بيروت بالجثث؛ قوات سمير جعجع تقاتل قوات ميشيل عون، منظمة التحرير الفلسطينية تقاتل حركة امل، حزب الله يقاتل قوات سمير جعجع. الكل يقاتل الكل، حتى انتهى لبنان فجلس المتنازعون لابرام صفقات والذي يُسمى اتفاق الطائف.

يقول الكاتب: "تحتاج الولايات المتحدة إلى ترك الحرب الأهلية تأخذ مجراها - وهي عملية قد تستغرق ما يصل إلى عقد من الزمان - حتى تجد الفصائل المتحاربة مثل هذه الصفقة مرغوبة".

أدرك السيستاني نوايا قوات الاحتلال بجعل العراق ممزقاً، يقتل بعضه بعضاً، لاستدامة وجودهم في بلاد الرافدين. مما دفعه لاتخاذ قرارات مصيرية في مواجهة الحرب الطائفية. في ١٦ حزيران ٢٠٠٧، نشرت صحيفة رويترز مقالاً بعنوان "السيستاني العراقي يحث على وقف الهجمات على مساجد السنة"، (Iraq's Sistani urges end to attacks on Sunni mosques)، وغيرها من المقالات التي تهدّئ الشارع الشيعي.

فاذا ما راجعنا مواقف السيستاني منذ اليوم الاول من الاحتلال طالب باخراجها من العراق، وسنبين للشعب العراقي في مقالنا القادم "السيستاني والاحتلال، وثائق مخفية"، و لِمن يعود فضل اخراج قوات الاحتلال من العراق، الى السيد المالكي أم الى سيد النجف؟

كثيرا ما خاطب السيستاني رئيس الوزراء نوري المالكي مباشرة لتسليط الضوء على العلاقة بين الفساد والاقتتال الطائفي. 

أغلب الصحف العالمية (رويترز، الاسوشيتد برس، الاندبندنت، وول ستريت جورنال، واشنطن بوست، نيويورك تايمز، فرنس برس، ذي ناشيونال، وغيرها) تحدثت عن اسباب سقوط الموصل حيث اعتمدت على تقرير اللجنة النيابية العراقية المشكلة لدراسة اسباب وتداعيات سقوط الموصل، حتى خلُصت الى إدانة السيد المالكي ومطالبة القضاء بمحاكمته. 

عمل السيستاني على تقديم بديل للخطاب الطائفي الذي توصل إليه الكثيرون لتفسير هذه الأحداث. تحدث كثيرا عن تاريخ العراق الطويل. شدد على سنوات من التعاون بين الطوائف في الدفاع عن البلاد عندما كانت تتعرض للهجوم. (راجع مقال الفرنسية برس "السيستاني: العراق قد يواجه «التقسيم» من دون إصلاح، Sistani: Iraq could face ‘partition’ without reform، بتاريخ ٢١ آب ٢٠١٥)

كانت عدة ملفات حمراء حاضرة عند السيستاني أهمها؛ 
الفساد، الطائفية، السيادة، الخدمات، والأمن. مع كل ما تقدّم، ترك السيستاني الامر لاحزاب السلطة في ولاية المالكي الثالثة، حتى وصل الصراع داخل حزب الدعوة الى ذروته، مما دفع بعض قياديه لاخذ مشورة السيستاني في التجديد. هنا أدلى السيستاني بدلوه، مستصحباً الملفات الحمراء. فوجد عدم التجديد افضل الحلول وعلى الكتلة الاكبر ترشيح شخصية اخرى يحظى بموافقة الاطراف الاخرى. (راجع بيان السيستاني في الولاية الثالثة للمالكي)

به انتفى هاجس الانهيار والتحديات الكبرى التي واجهتها  العملية الديمقراطية في العراق.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . شامل محسن هادي مباركه
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/04/27



كتابة تعليق لموضوع : السيستاني وهاجس الانهيار في الولايتين ؛  الجزء الثاني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : ماجد الجبوري ، في 2023/04/27 .

احسنت دكتور




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net