هل توجد عمالة ومذلة أكبر مما نراه اليوم؟
محمد الرصافي المقداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الرصافي المقداد

فيما يتضور سكان غزة بكافة شرائحهم العمرية جوعا وبؤسا ووجعا، يستأنس بقية العرب في مدنهم وبلدانهم بالغذاء والدواء، دون التفات ولا أدنى اهتمام بحرب الإبادة التي تشنها القوات الصهيونية على قطاع منكوب، يكاد يتحول من جراء العدوان الوحشي، إلى مكب من ركام مبان انهارت بمن فيها، وبقيت على حالها مقابر تحوي داخلها جثثا متحللة، تفوح منها رائحة الموت، عجزت عناصر الدفاع المدني عن استخلاصها من تحت انقاضها.
وفيما يعيش الغزاويون في ظل أجواء أكثر قمعا ورهبة، بسبب العدوان الصهيوني، الجاثم على أطراف قطاع بعساكره وآلياته، محاصر حصارا مطبقا برا وبحرا وجوا، وأرضهم لا تتجاوز 360 كلم مربع - معدودة الأكثر كثافة سكانية في العالم -على مرأى ومسمع من دول وشعوب العالم، بين صامت لما يجري، ومندد بقي تنديده بلا أثر يُذكر، يبقى الموقف العربي والاسلامي بعيدا عن المأمول، من دول تمتلك القوة العسكرية، القادرة على رفع محنة أشقائهم، المبتلين باحتلال وعدوان وحشي لم يسبق له مثيل في تاريخنا المعاصر، لكنها تمضي في موقفها السّلبي لا تحرك ساكنا.
تأتي زيارة الرئيس الامريكي ترامب إلى دول الخليج الفارسي الثلاثة، السعودية وقطر والإمارات، لتؤكد من جديد أن حالة غالبية العرب المسلمين اصبحت ميؤوس منها، باستثناء بعض أحرارها الذين رفضوا مخططات أمريكا وحلفائها في تركيز وضع جديد، من شأنه أن يفسح المجال أمام مشروع ابراهامية خبيث، يعطي اسرائيل حق الهيمنة على المنطقة بأسرها، وهذا سيكون بالتأكيد بأموال خليجية ضخمة، تُضَخّ لفائدة أمريكا لزيادة قوّتها، من أجل تنفيذ مخططاتها، تدفعها الدول الثلاث عن أيد راضية صاغرة، كان من باب أولى صرفها في تنمية الدول والشعوب ذات القواسم لمشتركة من دين وعِرْق وتاريخ.
احتفاء حكام تلك الدول بمقدم الرئيس الأمريكي ترامب، بلغ تنافسا في التعبير عن مدى عمالة أي من الدول المُظيّفة، لتكون حظوتها لدى أمريكا أكبر، فقد بلغت الأموال المقدّمة من مجموعها، ما يزيد عن تريليونين من مليارات الدولارات، عقود مشتريات عسكرية، لا معنى لها ولا فائدة منها -وما فائدة تجهيزات قتالية لم تسفد منها دولها إلى اليوم؟- فضلا عن الهدايا الثمينة التي لم تظهر منها سوى الطائرة الفخمة، التي اهداها أمير قطر إلى ترامب - والطائرة نفسها من شركة بوينغ الأمريكية وترامب رأسمالي ليس عاجزا عن شرائها بنفسه - ولا أعتقد أن الهدايا الثمينة الأخرى من الذهب ونوادر الحجارة الكريمة، كانت غائبة عن التعبير عن حفاوة الاستقبال، يكفي أن نذكر هنا أن حفل الغداء الذي أقيم على نخب الرئيس ترامب والوفد المرافق له، بلغت تكلفته 3ملايين دولار(1) ولا نشكّ لحظة من كون أغلى أنواع الخمور حاضرة على موائد الضيافة، فضلا عن الزهور والورود والعطور المستوردة مع أخصائيي الطباخين والنوادل والديكور والموسيقى.
كنّا كعرب ومسلمين سنغفر خطايا هؤلاء الحكام، لو مارسوا ضغطا من شأنه أن يسفر على إيجاد حلّ لأهلنا في القطاع المنكوب، أو أنّهم اشترطوا مقابل هذه الأموال الطائلة على الرئيس الأمريكي، رفع الحصار عن غزّة، ووقف عدوان القوات الصهيونية على الأهالي وبُنَاهم التحتية، والزام الحكومة الصهيونية بتطبيق القرارات الدولية، وسنعتبر أن ما قدّموه من أجل رفع مظلمة العدوان عن غزّة، لكنّ شيئا من ذلك لم يقع، وغادر ترامب الامارات بعد السعودية وقطر من دون أن يقع شيء يرفع المظلمة عن القطاع.
وبالنظر إلى ما ألمح اليه الرئيس الأمريكي من أنه يحمل معه مفاجآت إلى رحلته التي أنهاها، وعاد منها إلى أمريكا محمّلا بعقود ضخمة، تبيّن أنّ ما صرّح به لم يكن سوى مجرّد كلام دعائي، حفّز من خلاله الدول المعنية لاستباق وعوده، بسخاء من وضعوا رقابهم تحت رحمة رجل، لا همّ له يشغله سوى ما سيلهفه من امتيازات مالية، من شأنها أن تعطي الاقتصاد الأمريكي متنفّسا وجرعة أوكسيجين تنقذ ركوده.
لم يغب اسم إيران من خطاب ترامب، وهو الخبير بالوهم الذي أسكنته السياسة الأمريكية في عقول حكام الخليج، ومازالوا يروّجونه بشأنه من أنّها تمثل خطرا على المنطقة، وهو بالتأكيد ترويج كاذب ما فتئ يطلقه حكام أمريكا، وترامب ليس بدعا من هؤلاء الكذّابين، ويدركون جيّدا أنهم يقولون كذبا بشأن إيران، لكنّ عملاؤهم في المنطقة لا يجرؤون على معارضتهم، يذهبون أبعد من ذلك بتأييد سياساتهم، والدخول معهم في مساراتها منها الإبراهامية الجديدة، التي يدعو لها الرئيس الأمريكي الحالي.
قدرنا أن نعيش زمن الخذلان والعمالة، ولا نملك من أمرنا سوى أن نُكْبِر مواقف اليمن حكومة وشعبا، بشأن فلسطين ومناصرة القطاع المنكوب، واليمن اليوم أثبت أصالة ودينا وإنسانية وثباتا على موقف برهن على نُدْرة شعب قال كلمته بشأن أشقائه وثبت عليها، فلم يغيرها شيء من غطرسة أمريكا وبريطانيا في اعتداءاتهما على مناطق حيوية من محافظات اليمن، ما حدا بترامب إلى اعترافه بقوة وصلابة اليمنيين، وقرر وقف إطلاق النار من جانب واحد، بما يعني ذلك من تراجع بحجم الاعتراف بالعجز والهزيمة، المثال اليمني يبقى عنوان عزّ ومشعل فخر في زمن خيّم الظلام على بقية العرب شعوبا وحكومات، حيث لم يعد هناك جدوى لأيّ موقف مساندة للشعب الفلسطيني، من دون أن يكون له تأثير ملزم، من شأنه أن يردع العدوان.
ما يجب القيام به هو الزام الحكومات على تغيير سياساتها السلبية، تجاه ما يجري من جرائم على الأراضي الفلسطينية، ولو اتحدت حكوماتنا من أجل نصرة الشعب الفلسطيني لما بقي الكيان الصهيوني جاثما على أي شبر من فلسطين، البداية التخلص من تبعية دول الغرب، وبعدها بإمكان شعوبنا أن تختار أنظمة حكم وطنية بعيدة عن العمالة، ونكبتنا الأولى والأخيرة هي العمالة وخيانات الأوطان، فهما عاملان تسببا في دمارنا وخذلان قضايانا التحررية والتنموية.
المراجع
1 – العشاء بـ 3 ملايين دولار.. مفاجآت وراء تكلفة حفل استقبال ترامب في الدوحة.
https://www.youtube.com/watch?v=GoNVpRotIMc
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat