صفحة الكاتب : السيد عبد الستار الجابري

مشكاة نور الله فاطمة بنت محمد صلى الله عليه واله (الحلقة الثانية) المشكاة في تفاسير اهل السنة      
السيد عبد الستار الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

وصف الله تبارك وتعالى ذاته المقدسة بانه نور السماوات والارض، وهذا بحث عقائدي وتفسيري له دائرته الخاصة، ثم انتقلت عبارة القران الكريم الى تقريب الصورة لمن يتلو ايات الله تعالى، فمثلت للنور الالهي بقوله تعالى ﴿ مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم﴾  
للالفاظ القرانية ظهورات متعددة لما اتسم به القرآن الكريم من القابلية على الانطباق على مصاديق متعددة فلا ينحصر ما ورد فيه بزمن دون زمن ولا مورد دون اخر، فعلى سبيل المثال ان قصة يوسف (عليه السلام) مع ان احداثها التي رواها القرآن الكريم وقعت في زمن محدد وعناصر احداثها اشخاص معينيين الا ان ما فيها من المفاهيم والقيم والحقائق ينطبق على كل زمان ، وانعكاس تلك الظهورات القرآنية في الواقع العملي تتجسد من خلال ماورد في الكتب والابحاث التي تناولت الآيات الشريفة، فبحسب طبيعة المتأمل في الايات الشريفة يمكن ان يلحظ المعنى المذكور في الآية الشريفة بلحاظات متعددة، ابسطها اللحاظ الحسي الذي يترجم من خلال المعاني التي استعمل فيها اللفظ، ويتطور البحث احياناً دائرة النص الروائي المفسر للمعنى والذي يكون للاتجاه الفكري للباحث والمفسر دوره في الانتقاء والقبول والرد، وفي مرحلة اخرى من التطور في التعاطي مع النص القرآني اصبح المتناول للنص يدرج الاراء والاقوال والنصوص الروائية ويناقشها فيقبل منها ما يراه متطابقاً مع منهجه التفكيري، ومن يتتبع التفاسير التي كتبت يجد هذا بوضوح خاصة مع تطور زمن الكتابة في هذا العلم وتغير الظروف السياسية والفكرية والثقافية. 
ورد في تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي:
(* ( الله نور السماوات والأرض ) * الحسي والمعنوي ، وذلك أنه تعالى بذاته ، نور ، وحجابه نور ، الذي لو كشفه ، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ، وبه استنار العرش ، والكرسي ، والشمس ، والقمر والنور ، وبه استنارت الجنة . وكذلك المعنوي ، يرجع إلى الله ، فكتابه نور ، وشرعه نور ، والإيمان والمعرفة في قلوب رسله وعباده المؤمنين ، نور . فلولا نوره تعالى ، لتراكمت الظلمات ، ولهذا ، كل محل ، يفقد نوره فثم الظلمة والحصر . * ( مثل نوره ) * الذي يهدي إليه ، وهو نور الإيمان والقرآن في قلوب المؤمنين . * ( كمشكاة ) * أي : كوة * ( فيها مصباح ) * لأن الكوة ، تجمع نور المصباح حيث لا يتفرق . ذلك * ( المصباح في زجاجة الزجاجة ) * من صفائها وبهائها * ( كأنها كوكب دري ) * أي : مضيء إضاءة الدر . * ( يوقد ) * ذلك المصباح ، الذي في تلك الزجاجة الدرية * ( من شجرة مباركة زيتونة ) * أي : يوقد من زيت الزيتون الذي ناره ، من أنور ما يكون . * ( لا شرقية ) * فقط ، فلا تصيبها الشمس ، آخر النهار . * ( ولا غربية ) * فقط ، فلا تصيبها الشمس ، أول النهار . وإذا انتفى عنها الأمران ، كانت متوسطة من الأرض . كزيتون الشام ، تصيبه الشمس أول النهار وآخره ، فيحسن ويطيب ، ويكون أصفى لزيتها ، ولهذا قال : * ( يكاد زيتها ) * من صفائه * ( يضيء ولو لم تمسسه نار ) * فإذا مسته النار ، أضاء إضاءة بليغة * ( نور على نور ) * أي : نور النار ، ونور الزيت . ووجه هذا المثل ، الذي ضربه الله ، وتطبيقه على حالة المؤمن ، ونور الله في قلبه ، أن فطرته التي فطر عليها ، بمنزلة الزيت الصافي . ففطرته صافية ، مستعدة للتعاليم الإلهية ، والعمل المشروع ، فإذا وصل إليه العلم والإيمان ، اشتعل ذلك النور في قلبه ، بمنزلة إشعال النار ، فتيلة ذلك المصباح ، وهو صافي القلب ، من سوء القصد ، وسوء الفهم عن الله . إذا وصل إليه الإيمان ، أضاء إضاءة عظيمة ، لصفائه من الكدورات . وذلك بمنزلة صفاء الزجاجة الدرية ، فيجتمع له ، نور الفطرة ، ونور الإيمان ، ونور العلم ، وصفاء المعرفة ، نور على نوره ) 
يجد ان القارئ ان هذا النحو من التفسير تفسير اختلطت فيه الاستعمالات اللفظية بالعقيدة الكلامية للمؤلف، حيث تناول كل مفردة من مفردات الآية الكريمة وفسرها تفسريا لغويا مع مزجه ببعض المعاني المستفادة من امور قبلية مستنده الى اساس فكري ذو منحى خاص، نتج عنها تحكيم ما لديه من معلومات على مفردات الآية الكريمة، ومن مصاديق ذلك انه قسم النور الى الحسي والمعنوي، فهو يصرح ان ذاته تبارك وتعالى نور مع ان الآية الكريمة ليست في مقام بيان حقيقة الذات الإلهية بل الآية الشريفة في معرض الحديث عن طبيعة الترابط بين الله تعالى والعالم فقال تبارك اسمه (الله نور السماوات والارض)، ان الفهم الحسي المادي الذي يصل الى مرحلة التجسيم وارد في كلامه حيث يقول (وحجابه نور ، الذي لو كشفه ، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) فهذا النحو من التفسير لم يكتف فيه المفسر بالتفسير بالمعنى اللغوي بل تحول فيه الى معني حسي مادي جعل فيه لله تعالى وجه وبصر محدود وجعل المانع من تأثير انوار وجهه تبارك وتعالى الحجاب النوري الذي لولاه لاحرق نور وجهه كلما انتهى اليه بصر الله، وهذا من التجسيم الذي لا يقبله عقل ولا نقل تعالى الله عنه علواً كبيراً.
ثم يفسر النور المعنوي بما استعمل فيه النور مجازا فاضفى صفات النور على الكتاب والفطرة والشرع و... 
مما يمكن القول معه ان السعدي كان يقف عند المعنى المادي للفظ فما امكن ان يصدق عليه اللفظ حقيقة - ولو في فهم السعدي لصدق الانطباق – فسره تفسيرا مادياً، وما لم يمكن انطباق لفظ النور عليه الا مجازاً – حسب فهم السعدي – ذهب الى كونه نوراً معنويًا، عصمنا الله من الزلل.
واما الشوكاني في فيض القدير فنقل اقوالا متعددة امتزح فيها التفسير اللغوي مع محاولة تطبيق المعاني الواردة في الآية على المعاني غير اللفظية القريبة من المعنى بحسب ادراك المنقول عنه (وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ( الله نور السماوات والأرض ) قال : يدبر الأمر فيهما نجومهما وشمسهما وقمرهما . وأخرج الفريابي عنه في قوله ( الله نور السماوات والأرض ) مثل نوره ( الذي أعطاه المؤمن ( كمشكاة ) ، وقال في تفسير ( زيتونة لا شرقية ولا غربية ) إنها التي في سفح جبل لا تصيبها الشمس إذا طلعت ولا إذا غربت ( يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور ) فذلك مثل قلب المؤمن نور على نور)  .
عند التأمل في هذا المقطع من تفسير الآية يتضح ان تفسير المعنى مترتب على الفهم الشخصي اذ ان نوريته تعالى للسموات والارض لا تتعلق بالتدبير لان التدبير فرع قيوميته تعالى على الخلق، كما ان تفسيره (لنوره) بانه النور الذي اعطاه للمؤمن ثم المضي في التفسير الحسي لمعنى الزيتونة اللا شرقية واللا غربية وكل ما ورد في كلماته لا يعدو كونه تفسيراً بالرأي ضمن مساحة ادراك محدودة ذات قالب تغلب عليه الحسية مع محاولة العبور عن التفسير اللفظي البحت الى التفسير بالمعنى الذي يدركه المفسر، مع بعده عن سياق الآية وظاهر الفاظها فالله تعالى يمثل لنوره، والمنقول عنه يفسر النور بانه ما اعطاه الله للمؤمن فأنار به قلبه، وفرق كبير بين الموردين فالله تعالى يمثل لنوره الذي قال عنه بانه نور السموات والارض ولم يتناول جزء محدود من آثار نوره.
 (وأخرج عبد بن حميد وابن الأنباري في المصاحف عن الشعبي قال : في قراءة أبي بن كعب مثل نور المؤمن كمشكاة . وأخرج ابن أبي حاتم وصححه عن ابن أبي عباس في الآية قال : يقول مثل نور من آمن بالله كمشكاة ، وهي الكوة . وأخرج ابن أبي حاتم عنه ( مثل نوره ) قال : هي خطأ من الكاتب هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة ، قال : مثل نور المؤمن كمشكاة)  
وهذا التفسير لمعنى الكتاب العزيز ليس بافضل من سابقه فانه نسبة النور الوارد في الآية الى نور المؤمن مع عدم وجود ما يدل في الآية الشريفة على عود الضمير على المؤمن، بل قد ورد تمثيل النور بالمشكاة وما بعدها بعد ان وصف الله تعالى ذاته المقدسة بانه نور السماوات والارض، وهذا الاتجاه في التفسير يعود الى استبعاد المفسر ان يشبه النور الالهي بنور المشكاة للفارق الكبير بين النورين من جهة العظمة الإلهية ولذا اختار ان يكون الهاء عائداً على المؤمن، وقد غاب عن صاحب هذا القول ان القضية هي قضية تقريب صورة وليس حكاية عن الحقيقة، فكيف يمكن ان تحكى حقيقة النور الالهي وهو الذي ليس كمثله شيء، فلا يمكن أن يسع بيان حقيقته لفظ لعظمة المعنى ومحدودية اللفظ، إلا أن مسألة تقريب الصورة جارية في لسان العقلاء بأن تُقرب الصورة للمستمع بأقرب ما يحكي عنها في ذهنه، فعملية التوضيح اقرب ما تكون لمن يرسم خارطة بلد على ورقة، فيعطي المسطح المائي لوناً ازرقاً والجبل شكلاً منحنياً متعرجاً او لوناً خاصاً وللطرق المعبدة لونا اسوداً مع انه في الواقع ليس سوى ورق والوان وخطوط، فالنتيجة ان عدم وضوح الصورة في الاستعمال عند المنقول عنه تفسير الآية وتعبد الناقل بقوله جعله بعيداً عن ادراك المراد من هذا التشبيه.
(وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عنه أيضاً ( الله نور السماوات والأرض ) قال : هادي أهل السماوات والأرض ( مثل نوره ) مثل هداه في قلب المؤمن ( كمشكاة ) يقول موضع الفتيلة كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار ، فإذا مسته النار ازداد ضوءاً على ضوئه ، كذلك يكون قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم ، فإذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى ونوراً على نور)  
وهذا المقطع ايضا لا يخرج عما سبقه حيث اخذ جزءاً من الحقيقة ولحظ فيها جانباً واحداً، وهو جانب هداية اهل السماوات والارض وان هداهم بيده تبارك وتعالى ولا ريب في ان النور كاشف عن الظلمة وطارد لها، والظلمة في كل شيء بحسبه، فالظلمة في مجال العقيدة والشريعة والاخلاق هي العقائد الباطلة والاحكام والفاسدة والاخلاق الدنيئة، والله تعالى هو الذي هدى الخلق الى العقائد الحقة والاحكام الصحيحة والاخلاق السامية فلا شك في هذا الجانب، ولكن حصر المراد من الآية الشريفة بعد التجوز في المضاف من السماوات والارض الى اهل السماوات والارض، فيه نظر واضح اذ أن النور لا ينحصر دوره في الجانب الديني فقط فالنور ظاهر بنفسه مظهر لغيره، في جميع الجوانب والمجالات التي يمكن أن تتصور والخافية عن التصور الممكنة التحقق، فالحصر في الهداية والتجوز في المضاف بعيد عن سعة المعنى الوارد في الآية الشريفة، نعم ورد في جملة من النصوص الواردة عن اهل بيت (العصمة صلوات الله عليهم) ذلك ولكن لم ينحصر تفسيرهم للمعنى بهذا فكان هذا احد اوجه التفسير كما سيأتي ان شاء الله تعالى.
ثم تفسير الضمير في (نوره) بقلب المؤمن بحاجة الى دليل، وفيه تجوز بعيد، والأبعد من ذلك الاستغراق في الجانب الحسي في تفسير النص حيث انتقل ذهن صاحب هذا القول الى المصباح العادي وتفاصيله فخرج عن المشكاة بمعناها اللغوي ليعتبر أن المشكاة هي موضع الفتيلة من المصباح مع ان المعنى اللغوي اكثر موضوعية في بيان المعنى لان المشكاة على المعنى اللغوي تكون الموضع الحاضن للنور، بينما الاستغراق في الحسية في تفسير المشكاة بموضع الفتيلة لا في ببيان المعنى حيث ان موضع الفتيلة ليس له دور الاحاطة بالنور كما هو واضح.
(وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي بن كعب ( الله نور السماوات والأرض ( مثل نوره ) قال : هو المؤمن الذي قد جعل الإيمان والقرآن في صدره فضرب الله مثله ، فقال " نور السماوات والأرض مثل نوره " فبدأ بنور نفسه ، ثم ذكر نور المؤمن ، فقال مثل نور من آمن به ، فكان أبي بن كعب يقرؤها " مثل نور من آمن به " فهو المؤمن ، جعل الإيمان والقرآن في صدره ( كمشكاة ) قال : فصدر المؤمن المشكاة ( فيها مصباح المصباح ) النور ، وهو القرآن والإيمان الذي جعل في صدره ( في زجاجة ) و ( الزجاجة ) قلبه ( كأنها كوكب دري ) يقول كوكب مضيء ( يوقد من شجرة مباركة ) والشجرة المباركة : أصل المبارك الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له ( زيتونة لا شرقية ولا غربية ) قال : فمثله كمثل شجرة التفت بها الشجر ، فهي خضراء ناعمة لا تصيبها الشمس على أي حال كانت ، لا إذا طلعت ولا إذا غربت ، فكذلك هذا المؤمن قد أجير من أن يضله شئ من الفتن) 
والتفسير هنا يغاير التفاسير السابقة لان تفسير ابي بن كعب لمعنى الآية الشريفة متفرع على قراءة خاصة كما يدعي الناقل عنه وهو ان أُبي كان يقرأ الآية (مثل نور من آمن به) أي ان المضاف ليس ضميراً متصلا بل جملة صلة وموصول (من آمن به) فاذا صح ما نقل وثبت ما ادعي – ويلزم على القول به وقوع التبديل في النص من المضاف الظاهر الى الضمير – فتكون العبارة خاصة وصريحة في فئة خاصة من المؤمنين وهي الفئة التي جعل الايمان والقرآن في قلبها، ومثل هذه الفئة لابد ان تكون افراداً مشخصين ومعينين فإن الجعل جعل إلهي وليس مجرد عقيدة من فرد، أي ان هؤلاء الافراد الخاصين هم من جعل الله تعالى قلوبهم مستودعاً للإيمان والقرآن، فهم دائما على هدى وعلى الحق لا يميلون عنه ولا يحيدون، ومن كان هذا شأنه كان معصوماً الزلل والخطأ والشبهة، والا لما كان معنى لهذا الجعل اذ لا فرق بينه وبين غيره من العباد، فاذا صحت النسبة ومع الالتزام بسلامة لفظ الكتاب العزيز من التحريف والزيادة والنقصان والتبديل، تكون القراءة المنسوبة الى أُبي بن كعب تفسيراً للضمير، ويكون الضمير مشيراً الى ما بأزاء النور الإلهي من خلقه، وهم من اصطفى من عباده الحاكين عن نور الله تبارك وتعالى، فكانوا تجل من تجليات نوره، فيكون تفسير أُبي بن كعب للاية الشريفة في مرتبة أرقى وأدق عما فسرت به الآية فيما مر من اقوال وآراء، اللهم الا ان يكون قول اولئك منقولاً عن قول أُبي بن كعب او محوراً عنه مع حذفهم للمتعلقات الأخرى باللفظ التي منعت التجوز فيه، فيكون لطبيعة الظرف السياسي الذي صدر فيه كلام من نقل عنه التفسير ملجئاً لهم لحذف تلك المقدمة المهمة التي تكشف عن حقيقة المعنى المراد، فإذا تم الكلام يكون تفسير أُبي بن كعب متناولاً لما بأزاء نور الله تعالى من الموجودات الارضية التي كشف الله تعالى عن الحقائق، فكانت تجل للنور الإلهي فهي والقرآن تصدر عن حقيقة واحدة، فكما ان القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فكذلك هؤلاء المصطفين من الخلق لما انار الله تعالى قلوبهم بنوره - لما له من عناية خاصة بهم - كانوا كالقرآن معصومين من الزلل تنطبق في افعالهم واقوالهم حقائق الدين فهم عدل القرآن في اشراق شمس الهداية عليهم وانعكاسها عنهم.
(وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أن اليهود قالوا لمحمد : كيف يخلص نور الله من دون السماء ؟ فضرب الله مثل ذلك لنوره فقال ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة ) المشكاة كوة البيت فيها مصباح ، وهو السراج يكون في الزجاجة ، وهو مثل ضربه الله لطاعته ، فسمى طاعته نورا ، ثم سماها أنواعا شتى ( لا شرقية ولا غربية ) قال : وهي وسط الشجر لا تنالها الشمس إذا طلعت ولا إذا غربت ، وذلك أجود الزيت ( يكاد زيتها يضيء ) بغير نار ( نور على نور ) يعنى بذلك إيمان العبد وعلمه ( يهدي الله لنوره
من يشاء ) وهو مثل المؤمن)  
وهذا الكلام لا يصلح للتفسير فان اليهود كانوا يسألون عن كيفية اختراق نور حسي السماء الى الارض، بينما التفسير المنقول عن ابن عباس ان المراد من النور الطاعة وهي امر معنوي فلا يوجد تطابق في المنقول عن ابن عباس مع مورد سؤال اليهود.
(وأخرج الطبراني وابن عدي وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عمر في قوله ( كمشكاة فيها مصباح ) قال : المشكاة جوف محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، والزجاجة قلبه ، والمصباح النور الذي في قلبه ( يوقد من شجرة مباركة ) الشجرة إبراهيم ( زيتونة لا شرقية ولا غربية ) لا يهودية ولا نصرانية ، ثم قرأ ﴿ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين﴾)
والمنقول في المقطع المتقدم عن ابن عمر نحو تطبيق لما ورد عن أُبي بن كعب في تفسيره معنى الآية، مع تطبيقه حسياً على النبي (صلى الله عليه واله)، وهذا التطبيق للآية اثبات للإزائية في العالم الارضي بما في ازاء العالم العلوي، فهو اقرب من التفسير المروي عن ابن عباس اللهم الا ان يكون ما وروي عن ابن عباس غير تام وقد تصرف به المفسرون، ولولا التأويل الوارد في الرواية عن أُبي بن كعب في انه كان يقرأ بدل الهاء في نوره (من جعل الايمان والقرآن في قلبه) لما كان يمكن ان يسع قبول قول ابن عمر، لكن مع التأويل الوارد في قراءة اُبي يكون الامر قابلاً، فيكون ما بازاء النور الالهي الذي اخبر الله تعالى عنه بانه نور السموات والارض أي ان النسبة بين الله تبارك وتعالى وبين السموات والارض هو نسبة النور الى المستنير، فما بازائه على الارض هو النبي (صلى الله عليه واله) فهو بمنزلة النور الى المستنير في العالم الإمكاني، اذ ان نوره من نور الله تعالى وقد تواتر ان نور النبي (صلى الله عليه واله) خلقه الله قبل ان يخلق أي مخلوق اخر.
(وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن شمر بن عطية قال : جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار ، فقال : حدثني عن قول الله ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره ) قال : مثل نور محمد صلى الله عليه وآله وسلم كمشكاة قال : المشكاة الكوة ضربها الله مثلا لقمة فيها مصباح ، والمصباح قلبه ( المصباح في زجاجة ) والزجاجة صدره ( كأنها كوكب دري ) شبه صدر محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالكوكب الدري ، ثم رجع المصباح إلى قلبه فقال ( يوقد من شجرة مباركة - يكاد زيتها يضيء ) قال : يكاد محمد صلى الله عليه وآله وسلم يبين للناس ولو لم يتكلم أنه نبي ، كما يكاد الزيت أن يضيء ولو لم تمسسه نار) 
وهذا القول لا يخرج عن سابقيه، الا ان السند في هذا القول مما لا يمكن ان يقبل فكيف يمكن ان يسأل ابن عباس كعب الاحبار عن معنى قرآني، والى جنبه امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) مضافاً الى ابيه العباس بن عبد المطلب وكبار الصحابة مع ان كعب الاحبار لم يسلم الا في ايام عمر بن الخطاب، ان هذا الاسناد مما لا يعقل قبوله.
ثم اضاف الشوكاني
(وأقول : إن تفسير النظم القرآني بهذا ونحوه مما تقدم عن أبي بن كعب وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم ليس على ما تقتضيه لغة العرب ، ولا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يجوز العدول عن المعنى العربي إلى هذه المعاني التي هي شبيهة بالألغاز والتعمية ، ولكن هؤلاء الصحابة ومن وافقهم ممن جاء بعدهم استبعدوا تمثيل نور الله سبحانه بنور المصباح في المشكاة ، ولهذا قال ابن عباس : هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة كما قدمنا عنه ، ولا وجه لهذا الاستبعاد . فإنا قد قدمنا في أول البحث ما يرفع الإشكال ويوضح ما هو المراد على أحسن وجه وأبلغ أسلوب ، وعلى ما تقتضيه لغة العرب ويفيده كلام الفصحاء ، فلا وجه للعدول عن الظاهر ، لا من كتاب ولا من سنة ولا من لغة . وأما ما حكى عن كعب الأحبار في هذا كما قدمنا ، فإن كان هو سبب عدول أولئك الصحابة الأجلاء عن الظاهر في تفسير الآية ، فليس مثل كعب رحمه الله ممن يقتدى به في مثل هذا . وقد نبهناك فيما سبق أن تفسير الصحابي إذا كان مستنده الرواية عن أهل الكتاب كما يقع ذلك كثيرا ، فلا تقوم به الحجة ولا يسوغ لأجله العدول عن التفسير العربي ، نعم إن صحت قراءة أُبي بن كعب ، كانت هي المستند لهذه التفاسير المخالفة للظاهر ، وتكون كالزيادة المبينة للمراد ، وإن لم تصح فالوقوف على ما تقتضيه قراءة الجمهور من السبعة وغيرهم ممن قبلهم وممن بعدهم هو المتعين) 
وما اعترض به الشوكاني يطابق ما اعترضنا به على من نقل عنهم، ونضيف ان الروايات الورادة عن اهل البيت (عليهم السلام) في تفسير الآية تعضد التفسير المروي عن أُبي بن كعب وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس في المعنى الذي قدمناه من ان المقصود من التمثيل هو الاشارة الى ما بازاء العالم العلوي من الموجودات المقدسة الارضية التي اصطفاها الله تعالى، وان هناك تصرف من قبل الناقلين في التعبير المنسوب الى ابن عباس اقتضته طبيعة المرحلة، ولذا جاء التفسير المروي عن ابن عباس بعد ان اضيف اليه نسبة الكلام الى كعب الاحبار مطابقاً لكلام ابن عمر ويمكن ان يكون تطبيقاً لما ورد في كلام أُبي بن كعب.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد عبد الستار الجابري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/02/12



كتابة تعليق لموضوع : مشكاة نور الله فاطمة بنت محمد صلى الله عليه واله (الحلقة الثانية) المشكاة في تفاسير اهل السنة      
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net